أبو الفتوح والسبيكة الفذة
بقلم د هشام الحمامى
يعتبر البعض أن د.أبو الفتوح _ المرشح
لرئاسة الجمهورية _ لديه ما ينبغى توضيحه فى نقطتين.. النقطة الأولى أنه
ابن المشروع الإسلامى.. والنقطة الثانية اختلاف توجهات مؤيديه ما بين
إخوانى وسلفى وليبرالى ويسارى والمصرى العادى.. البعض يتصور أن هاتين
النقطتين موضع هجوم سهل عليه.. وهو ما ظهر فى المناظرة الأخيرة أو ما يكتبه
عنه بعض كتاب الأعمدة.. لكن ذلك ليس صحيًا بل العكس هو الصحيح.. هذه هى
مواضع قوته.
أبو الفتوح ابن شرعى للمشروع الإسلامى
الحضارى الذى بدأه جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ورشيد رضا، فيما عرف
بتيار(الجامعة الإسلامية) والذى كان محضنًا خصبًا لجيل النهضة المصرية فى
العشرينيات والثلاثينيات، وهو ما جعل سعد زغلول الليبرالى يصف الأفغانى
بأنه (موقظ الشرق).
تيار الجامعة الإسلامية امتد إلى الشارع
والقرية والمصنع، فيما عرفه التاريخ بعدها بمدرسة الإخوان المسلمين والتى
انتقلت بالتنظير الفكرى إلى التنظيم العضوى على يد العبقرى الأستاذ البنا..
فعرف الشرق أكبر حركة إسلامية إصلاحية.. انطلقت فى التاريخ عبر مراحل
مختلفة منها الطبيعى (الثلاثينيات والأربعينيات) والاستثنائى (الخمسينيات
والستينيات والسبعينيات) وتأثرت ككل الحركات الاجتماعية والسياسية بكل ما
مرت به.
فتنوعت داخلها التيارات الفكرية وكان من ضمن
هذه التيارات تيار كبير يمثله د.عبد المنعم أبو الفتوح تتشابه أفكاره
بدرجة كبيرة مع الأفكار الأولى لتيار الجامعة الإسلامية والأسس الأولى
لمدرسة البنا.. بل وأضيف إليها الكثير من التطور الطبيعى للأفكار وفق ما
تقتضيه السنن والنواميس.
وكان ضيق المناخ السياسى طوال فترة حكم
مبارك والمتابعات الأمنية الثقيلة حائلاً بين أن يتشكل هذا التيار فى إطار
أو سياق تنظيمى.. ثم جاءت الثورة وجاءت معها الفرص المتعددة للجميع.. ومنها
فرصة التوسع فى رحاب العمل الوطنى والإصلاحى، ليشمل عموم المصريين فكان
قرار أبو الفتوح بالترشح للرئاسة.. مستودعًا الله تاريخه السابق ومتوكلاً
عليه فى تاريخه اللاحق.
أبو الفتوح إذن هو ابن المشروع الحضارى
الإسلامى _ وكانت له دراسة عميقة عن تطبيقات هذا المشروع فى ماليزيا نشرها
موقع إسلام أون لاين السابق _ ما قاله د.محمود غزلان من عدم الاطمئنان على
(الدين) من جهة أبو الفتوح مجرد مفهوم فراغى مشوش وغير برىء الدوافع.
أبو الفتوح يؤمن بأن الإسلام هو عماد الشرق
ورافعة نهضته.. كما يؤمن بأن قوة (الفكرة الدينية) فى الضمير والخلق طاقة
الشعوب للانطلاق نحو التنمية الكاملة.. كما يؤمن بأن الشريعة عدل كلها
ورحمة كلها وحكمة كلها ومصلحة كلها.
كان على البعض فى التيار الإسلامى العريض أن
يستوعب (مرارة) استقلال أبو الفتوح عنه وترشحه وحده (مخالفًا) القرار
الجماعى الذى ما لبثت الجماعة نفسها مخالفته والتراجع عنه.. وذلك تقديرًا
وحفاظًا على مصلحة المشروع الوطنى كله.. لكن الحساسيات التنظيمية _
الموجودة فى كل الأحزاب والتنظيمات فى كل العصور بين أبناء الجيل الواحد _
وقفت عقبة كئود أمام المصالح العليا والإستراتيجية للوطن والدعوة.. وسيتحير
التاريخ كيف يكتب هذه الأحداث الأليمة الموجعة، فالموضوع لا يتعلق
بمخالفة الشورى ولا بمشروع النهضة ولا بالدعوة ولا بالوطن.. الموضوع شخصى
محض.. وأرجعوا للأستاذ الجليل محمد مهدى عاكف ولفضيلة الدكتور القرضاوى
وللعلامة راشد الغنوشى د.موسى أبو مرزوق.. ستكتشفون الأمر على وجهه غير
المحبب إلينا جميعًا.
وما سمعناه من بعض ما قيل فى جلسات (توضيح
الرؤية) يعبرعن حالة هلع هيستيرى من أن تنتخب قواعد الإخوان د.أبو الفتوح
(استنادًا إلى عنصرى الكفاءة الذاتية ومتانة المشروع)، ناهيك عن رصيد الحب
الجارف له عندهم.
أن يتفق الإسلامى والليبرالى والقبطى
واليسارى على شخص أبو الفتوح.. فهى فضيلة عبقرية للاثنين.. من ناحية أبو
الفتوح فهو طوال تاريخه يرى فى الإسلام العظيم جانب ليبرالى بما يحمله من
تعظيم لقيم الحرية والعقل والجمال، ويرى فيه جانب يسارى بما يحمله من تعظيم
لقيم العدل الاجتماعى والتضامن.. وعظمته السمحة فى النظر للآخر المختلف
(عقائديًا).
القبطى يرى فيه ضمانة لتطبيق الفهم الحضارى
الإسلامى.. سواء من ناحية فهمه للنصوص أو من ناحية المقاربة الآمنة التى
يقوم بها مع باقى التيارات الإسلامية فى اتجاه العيش المشترك فى وطن واحد.
السلفيون والجماعة الإسلامية لم ينسوا له
تاريخه القديم حين كان حاديهم وقدوتهم فى السبعينيات نحو الدين الحنيف، وإن
تعددت المواقع بعدها.. لكنهم لم ينسوا له فضله.. ثم إنهم ينظرون إلى
كفاءته وقدرته بالدرجة الأولى سواء ما يتعلق منها بالقيادة والزعامة
السياسية أو ما يتعلق منها بقدرته على تحقيق (أقصى حد من التفاهم مع أدنى
حد من الأفكار) دون إهدار لمبدأ ثابت أو قيمة عظمى.. وفى جوهره، فمشروع
الرجل مشروع وطنى يستند إلى قواعد إسلامية.. وبالتالى فهو أحق المرشحين
بالانتخاب.
الأمر إذن ليس فيه لغتان ولا وجهان.. الأمر
يتعلق بقدرة وهبها الله لهذا الرجل على تكوين تلك (السبيكة الفذة) التى
جمعت كل هؤلاء.. وذلك فى حد ذاته أكثر ما تحتاجه تلك المرحلة تحديدًا.
من يتململ أو يتشكك فله كل الحرية فى تململاته وتشككاته فقط أذكره بالبيت القديم:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ** وقد ينكر الفم طعم الماء من سقم